دراسات وأبحاث

الغزو الفكري للإسلام

.    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين، وعلي آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد ..... فإن المعركة بين الحق والباطل قديمة مرتبطة بوجودهما، لا تنفك عداوة الكفر للإيمان والباطل للحق، ولا تنتهي فهي في تدافع مستمر، فتارة تكون الغلبة فيها للحق وذلك إذا تمسك أهل الحق بالحق، وتارة آخري تكون الغلبة فيها للباطل وذلك حينما يتخلي أهل الحق عن الحق، قال الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (سورة محمد : 7)، ومعنى: إن تنصروا الله: أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين، ينصركم ويثبت أقدامكم: أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك.

 

                                                        يراجع : (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير ج3/ص318).

   وليعلم أهل الحق أن أهل الباطل يبحثون دائماً عن وسائل وسبل توصلهم إلي التغلب علي الحق مهما كلفهم ذلك، ومهما كانت الوسائل والسبل شريفة أو غير شريفة، وقد أخبر القرآن الكريم عن أبدية الصراع بين الحق والباطل وعدم انتهائها بقوله تعالي: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (سورة البقرة : 217)، ففي هذه الآية يكشف الله تعالي عن نفسية الكافرين وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإسلام ويخرجوهم منه .

   ومن الوسائل والأساليب التي يستخدمها أهل الباطل في قتال أهل الحق الغزو الفكري .

أولاً : تعريف الغزو الفكري :

تعريف الغزو في اللغة العربية :

   عرف أهل اللغة العربية الغزو فقالوا هو مصدر من قولهم غَزَا يَغْزو غَزْواً  وهو مأخوذ من مادة " غَزَا " .

يقول ابن فارس الغين والزاء والحرف المعتل أصلان صحيحان :

   الأول: طلب شئ يقال غَزَوت أَغْزو، والغازي: الطَّالِبُ لذلك، يقال غزا الشئ غَزْواً : أرادَه وطَلَبَه وقَصَدَه، ويقال غَزَا العدوَّ غَزْواً: أي سار إلي قتالهم وانتهابهم في ديارهم وقهرهم والتغلب عليهم، والغَزو: الخروج إلي محاربة العدو .

   الثاني: في باب اللِّقاح يقال أَغْزَت النَّاقةُ : إذا عَسُرَ لِقاحُها .

                يراجع: معجم مقاييس اللغة لإبن فارس ص709/مادة غزو، لسان العرب ج6/ص621/ مادة غزا .

 

تعريف الغزو الفكري : هو مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة .

                            يراجع: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز ج3/ص438.

   أو هو مجموعة من الشبهات والأغاليط مصوغة صياغة علمية متقنة، توجه إلى عقول المسلمين بطرق مختلفة وبِأَيَدٍ شتى، يراد منها تشكيك المسلمين في دينهم وحضارتهم، ورجالاتهم بِغِيَة الوصول إلى تسخيرهم لمآرب عدوهم وغاياته .

                         يراجع: الغزو الفكري في المعيار العلمي الموضوعي إعداد د/محمد عبد اللطيف صالح .

   

ثانياً : أسباب الغزو الفكري :

   بداية الأمر كانت الأمة العربية قبل مجئ النبي محمد صلي الله عليه وسلم أمة متناحرة متقاتلة تعيش في ظلام وجهل وتخلف، النظام السائد فيها هو نظام القبائل وكانت الحروب بين هذه القبائل علي قدم وساق .

   وكان في ذلك الوقت الذي تعيش فيه الأمة العربية في هذا الجهل والظلام والتخلف، كانت هناك حضارات عظيمة منها :

1- الحضارة البيزنطية التي كانت تُدعى الإمبراطورية الرومانية الشرقية وكانت تحكم دول اليونان والبلقان وآسيا وسوريا وفلسطين وحوض البحر المتوسط بأسره، ومصر وكل إفريقيا الشمالية وكانت عاصمتها القسطنطينية . 

2- الحضارة الفارسية أو الإمبراطورية الفارسية وكانت أكبر وأعظم من الإمبراطورية الرومانية .

 

   ولما أرسل الله رسوله محمد صلي الله عليه وسلم في مكة المكرمة، ودعا النبي صلي الله عليه وسلم الناس إلي دينه ليخرجهم من الظلمات إلي النور، ولما لم يتبعه أحد من أشراف مكة، خرج من مكة وما آمن معه إلا قليل، فأمره الله تعالي بالهجرة من مكة إلي المدينة المنورة وهناك أسس دولة إسلامية قوية تعمل بكتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم، وانطلق النبي صلي الله عليه وسلم من هذه القرية الصغيرة " المدينة المنورة" يدعوا الناس إلي الإسلام، وفي فترة قصيرة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً إستطاع النبي محمد صلي الله عليه وسلم أن يبني دولة قوية وحضارة عظيمة من فتات متناثر.

  ففي حوالي عشر سنوات هي سنوات حياة النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة بدأ فيها النبي صلي الله عليه وسلم ببناء الدولة الإسلامية بدأت بمسجد وانتهت بالجزيرة العربية بالكامل، وانتقل النبي صلي الله عليه وسلم إلي جوار ربه والجزيرة العربية ( السعودية – اليمن – عُمان – البحرين – الإمارات – قطر) كلها علي الإسلام .

   وبعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعده، واستلم أبو بكر الدولة الإسلامية بالوصف الذي ذكرته في السنة الحادية عشر من الهجرة، وفتح بعدها بعض العراق وبعض بلاد الشام وانتقل إلي جوار ربه، وبعد وفاته تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففتح العراق والشام وفلسطين ومصر وإيران .... وظل الإسلام ينتشر في ربوع الأرض .

وانتهت الخلافة الراشدة وجاءت الدولة الأموية من سنة 661م إلي سنة 750م، وانتشر الإسلام ووصل إلي الأندلس وبدأ الزحف الإسلامي إلي فرنسا، وكانت أوربا في ذلك الوقت تعيش في ظلام واستعباد من الكنيسه فهاجر كثير من الشباب المسيحي الأوربي ليتعلم العلم في الأندلس علي أيدي المسلمين  .

   هنا خافت الكنيسة الأوروبية علي سلطانها لذا قام البابا أوربان الثاني بإشعال شرارة نار الحملات الصليبية وحث اتباعه علي المشاركة والخروج في هذه الحروب، بل وعد الجموع المشاركين في الحرب بــــ

1- رفع العقوبات عن المذنبين منهم .

2- إعفائهم من الضرائب .

3- رعاية الكنيسة لأسر المشاركين في هذه الحروب مدة غيابهم .   

   خرجت الحملات الصليبية إلي العالم الإسلامي سبع حملات صليبية كانت آخرها علي يد لويس التاسع ملك فرنسا سنة 1242م انتهت بنصر المسلمين عليهم هنا في مصر وتم أسر لويس التاسع

   خسر الأوربيون في هذه الحملات جنود كُثر وأموال طائله وانتهت بفشلهم وهزيمتهم .

  ولما فشلت الكنيسة راحت تؤلب التتار علي العالم الإسلامي فاجتاح التتار بغداد وسوريا ثم اتجه إلي مصر، وفي مصر انهزم التتار علي يد قطز .

  هنا فكرة الكنيسة الأوروبية ما سر قوة المسلمين وبعد بحث علموا أن سر قوة المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية .

  قالوا إذا أردنا أن ننتصر علي المسلمين فلابد وأن نوجه الحرب للإسلام كدين وليس لأتباع الإسلام لابد من حرب الإسلام كدين وعقيدة ومنهج حياة لا بد من زعزعة الإسلام في قلب المسلم .

   لذا قررو تحويل الغزو من غزو عسكري إلي غزو فكري .

 

ثالثاً: أدوات الغزو الفكري :

   الأدوات والأسلحه المستخدمه في الغزو الفكري أو الأسلحة المستخدمه في صرف المسلمين عن دينهم :

1- الإستشراق : وهو دراسة علوم الشرق " المسلمين " بهدف معرفة عقلية المسلمين وأفكارهم وإتجاهاتهم وأسباب تفوقهم وقوتهم، بهدف ضرب هذه القوة من جهة والإستفادة من علوم المسلمين من جهة أخري والتمهيد للإستعمار .

   وذلك بإثارة الشبهات في ( القرآن الكريم – الوحي – النبي – السنة النبوية – الحضارة الإسلامية – الشريعة الإسلامية - الفقه الإسلامي – التاريخ الإسلامي – الجهاد - اللغة العربية ) بهدف تشكيك المسلمين في دينهم.

2-  استخدام المستغربين : المستغرب هو رجل من الشرق ( من المسلمين ) منبهر ومعجب ومفتون بفكر الغرب يستخدمه هؤلاء في صرف المسلمين عند دينهم وذلك بالتشكيك في الدين ومدح الفكر الغربي والنظريات الغربية، وساعة يكون المستغرب رجل من عامة الشعب وساعة أخري يكون مسؤل أما ديني ( أمام – شيخ ) أو دولة ( وزير – رئيس وزارة – رئيس دولة ) يقول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه ابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا قَالَ « هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ». قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ « فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ ».

3-  التنصير : هم يطلقون عليه اسم التبشير ولكن الحقيقة هو تنصير، والتنصير هو الدعوه إلي النصرانية ومحاولة دفع الناس إلي الدخول فيها بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك بــــ:

أ‌-     إنشاء جامعات في بلاد المسلمين تَدُس السم في العسل .

ب‌- نشر الكتب التنصيرية .

ت‌- ضرب الرموز الإسلاميه وتقليل مكانتهم عند المسلمين لينصرف الناس عنهم .

ث‌- إظهار وإشهار بعض من يقال عنهم مفكرين إسلاميين وتلمعهم .

4- نشر الفتن بين المسلمين وإثارة الخلافات لتفرقة المسلمين " سني – شيعي – خوارج – مرجئة - ... " ، والسنة " ( سلفي – وهابي – إخواني – أشاعرة – ماتريدية - ... "، والشيعة " إماميه – زيدية – إسماعيلية ...."، ... وهكذا.

5- نشر الفساد في المجتمع الإسلامي : الخمور والإباحية وفساد المرأة .

6- نشر النظريات البراقه والتي هي في الأصل خطط لإبعاد المسلمين عن دينهم ولغزوهم العالم:

أ‌-     الشيوعية .

ب‌- الماركسية .

ت‌-  الوجودية .

ث‌- العقلانية .

ج‌- الإلحاد .

 

 

رابعاً: سُبل مواجهة الغزو الفكري :

   إن مواجهة الغزو الفكري أمر حتمي فرضته علينا ظروف المعركة القائمة والتي تدور رحاها في بلادنا وعلي أرضنا المسلمة، وإذا كنا قد عرفنا الداء والخطط المرسومة وكمية العداء التي تمتلئ بها صدور أعدائنا فيجب علينا المواجهة لهذا الغزو وسبل المواجهة منها :

1- تأصيل العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين من خلال مناهج التعليم وبرامج التربية .

2- تبصير المسلمين وتوعيتهم بمخاطر الغزو الفكري وأساليبه للحذر منها وتجنب الوقوع فيها .

3- أن تقف أجهزة الإعلام من ( صحافة – إذاعة – تلفزيون – ومسرح – وسينما – وغيره ) عن تقديم أي شيء يتنافي مع مبادئ الإسلام .

4- التأكيد علي المنافذ التي يدخل منها الغزو الفكري بعدم السماح لها بالدخول ومعاقبة كل من يخالف ذلك بالعقوبات الرادعة .

5- توجيه النقد إلي أي أثر من آثار الغزو الفكري الموجود في المجتمعات الإسلامية دون مجاملة لهذه المجتمعات

6- أن تقوم كل مؤسسة دعوية وعلمية بدورها الدعوي في خدمة دين الله عزوجل بما يسد حاجة الناس الدينية من الإسلام ويحذرهم من الغزو الفكري الممتد في طول الأمة وعرضها .